التعصب والانقسام- ثغرة إسرائيل لاختراق الأمة الإسلامية

المؤلف: كمال أوزتورك10.08.2025
التعصب والانقسام- ثغرة إسرائيل لاختراق الأمة الإسلامية

يجب علينا أن نتحدث بجدية بالغة حول فظائع الإرهاب التي تُمارسها إسرائيل والولايات المتحدة في غزة ولبنان وإيران واليمن وسوريا. لقد شجبنا بما فيه الكفاية الأعمال الإرهابية والمذابح والإبادة الجماعية والاعتداءات غير المشروعة التي ترتكبها إسرائيل، بالإضافة إلى الدعم المطلق الذي تتلقاه من الولايات المتحدة. نُشرت مئات المقالات والآلاف من الأخبار ومئات الآلاف من المشاركات حول هذه المسألة. أعتقد جازمًا أن الكلمات قد استنفدت في هذا الشأن، ولم يعد بمقدورنا التعبير عن حجم المأساة بالعبارات المعتادة.

علينا أن ننتقد ذواتنا بشكل أعمق وأكثر صراحة؛ يجب أن نتناول أيضًا الأخطاء الفادحة التي اقترفتها الأمة الإسلامية. قد يبدو الحديث عن هذه الأمور مُثبطًا، لا سيما في المناطق التي تُراق فيها الدماء بغزارة، ولكن إذا لم نمارس هذا النقد الذاتي البنّاء في مواجهة الانحدار والدمار وخيبة الأمل التي نعيشها، فسنكون عُرضةً لمواجهة المزيد من الكوارث والمحن.

بداية الأخطاء الكبرى في سوريا

في مقال نشرته صحيفة فايننشال تايمز (30 سبتمبر/أيلول 2024) حول تحليل مقتل قادة حزب الله، أُشير إلى أن نقطة الضعف التي استغلتها إسرائيل للتسلل إلى إيران وحزب الله هي تدخل حزب الله في الحرب الأهلية السورية؛ حيث خاض حزب الله معارك ضارية وقاسية ضد الجماعات السنية، مما غيّر مسار الحرب، وجعله هدفًا رئيسيًا للجماعات الشيعية. استغلت إسرائيل هذا الوضع المضطرب المليء بالصراعات والاشتباكات للتسلل بسهولة إلى حزب الله، ثم إلى النظام السوري وإيران.

على الرغم من أنني أختلف مع بعض جوانب هذا التحليل، إلا أنه ليس من الخطأ التأكيد على أن الحرب الأهلية السورية قد قلبت الموازين في منطقة الشرق الأوسط بأكملها بسبب الأخطاء القاتلة التي ارتكبتها الدول الإقليمية. قامت القوى الكبرى في المنطقة بتسليح ودعم فصيل معين في الحرب الأهلية السورية، مما أدى إلى ظهور جماعات وحشية لا ترحم. في عام 2013، زرت حلب بصفتي صحفيًا لأشهد على الحرب الأهلية السورية عن كثب، وشاهدت الجماعات المسلحة تسيطر على مناطقها الخاصة على امتداد كل خمسة كيلومترات تقريبًا. تقاتلت هذه الجماعات فيما بينها وأهلكت بعضها البعض، وكانت هناك دول تقدم الدعم المالي والعسكري لكل فصيل. ومن هنا بزغت فرص ذهبية لم تكن لتخطر على بال لإسرائيل والولايات المتحدة.

لقد ظهر "تنظيم الدولة الإسلامية" كأكثر المنظمات دموية وظلامًا، وهو نتاج للاستخبارات الأجنبية التي استغلت حالة الفوضى العارمة. كان الإرهاب الذي أشاعه تنظيم الدولة مروعًا للغاية، لدرجة أنه تم تشكيل تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، وتم تشكيل تحالف غير مسبوق في منطقة البحر الأبيض المتوسط.

اليوم، العديد من الطائرات التي تقصف لبنان واليمن وسوريا هي نفسها الطائرات التي وصلت إلى المنطقة في ذلك الوقت. انخرط كل من حزب الله وإيران في القتال الفعلي في سوريا والعراق ضد تنظيم الدولة، وتمت تصفية العديد من الجماعات السنية الأخرى بخلاف تنظيم الدولة.

دخلت الولايات المتحدة الأراضي السورية، وأنشأت كيانًا صغيرًا لحزب العمال الكردستاني، وأرسيت دعائم شبكة استخبارات واسعة النطاق بالتعاون مع إسرائيل في المنطقة. وفي غضون ذلك، تم تنفيذ جهود متواصلة للتسلل إلى إيران وحزب الله. إن جميع عمليات الاغتيال الإسرائيلية التي نُفذت في إيران وسوريا ولبنان هي في الواقع نتيجة مباشرة للمعلومات القيمة التي تم جمعها في هذه المرحلة.

الذين يحتفلون بمقتل نصر الله

بدأت الآن تظهر الأبعاد المأساوية لأفعال حزب الله التي تسببت في مقتل الآلاف في سوريا. فبعد مقتل نصر الله على يد إسرائيل، ابتهج الناس في المناطق السنية في سوريا وعبرّوا عن فرحتهم الغامرة بتوزيع الحلوى. وعندما سُئلوا عن سبب سلوكهم هذا، تبيّن أن جزءًا من ذلك يعود إلى الدمار الهائل الذي تسبب فيه حزب الله خلال الحرب الأهلية السورية. لقد عانوا من ألم ورعب شديدين، لدرجة أنهم خرجوا إلى الشوارع للاحتفال بموت نصر الله.

هل من الطبيعي أن يفرح الناس بمقتل مسلم على يد إسرائيل؟ بالإضافة إلى ذلك، لا أعتقد أن إسرائيل تهتم بمذهب هنية أو نصر الله. فالقنابل التي تسقط في لبنان لا تدمر منازل الشيعة فحسب، بل تطال أيضًا السنة وحتى المسيحيين. على الرغم من أنني أعتقد أن الذين احتفلوا بمقتل نصر الله كانوا مخطئين، إلا أنه ينبغي على إيران وحزب الله إعادة النظر في سبب كراهية الناس لهما بهذه الطريقة. لماذا لم يُظهر الجميع، سواء كانوا شيعة أو سنة، نفس القدر من التعاطف والحزن تجاه وفاة هنية؟ يجب عليهما إعادة تقييم هذه المسألة بعناية.

التعصب المذهبي هو أكبر ورقة لدى إسرائيل

إن العالم الإسلامي المنقسم والمتنازع هو أكبر حلم يراود الولايات المتحدة وإسرائيل، وأعتقد أنهما لم تضطرا لبذل الكثير من الجهد لتحقيق هذا الحلم. فالجرح الذي يعاني منه العالم الإسلامي عميق للغاية، لدرجة أنه يتحول إلى نار مستعرة بمجرد تحريكه قليلًا، والتعصب المذهبي هو أحد هذه المحركات.

إن السبب الوحيد (أو السبب الظاهري) لقتال المسلمين ضد بعضهم البعض في العراق وسوريا ولبنان هو التعصب المذهبي بحد ذاته. لقد انهارت الدول، واختل النظام، وعمّت الفوضى، وأُزهقت أرواح أكثر من 1.5 مليون إنسان، وشُرد الملايين من هذه الأراضي. والآن، أصبحت هذه الأراضي هي الأكثر عرضة للعمليات التي تنفذها إسرائيل والولايات المتحدة.

قبل عام واحد من مقتل قاسم سليماني، كان قد تباهى قائلًا: "نحن نسيطر على خمس عواصم عربية". والآن، تعاني هذه العواصم تحت وطأة الهجمات الإسرائيلية والأمريكية.

إن أعظم ورقة تلعبها إسرائيل والولايات المتحدة هي انشغال المسلمين بالتعصب المذهبي، والأفكار الضيقة، والمصالح الشخصية، والطموح للسلطة. هذا الخطأ القاتل هو السبب وراء تصرف إسرائيل بهذه العدوانية؛ لأنها تؤمن بأنها ستحقق مطامعها في "الأراضي الموعودة".

متى نستفيق لإدراك الحقيقة المرة؟ نحن بحاجة إلى تفكير جديد يسمح لنا بتقييم جميع الأحداث بهدوء وتروٍ. لا يمكننا حل مشاكلنا بمجرد الصراخ ولعن إسرائيل والولايات المتحدة. يجب علينا إعادة فحص أنفسنا من الألف إلى الياء، فنحن بحاجة إلى النقد الذاتي الصادق، ويجب أن نحدد مكامن الخلل والقصور، ثم يجب علينا الابتعاد عن أخطائنا القاتلة والشروع في إنتاج أفكار جديدة ومبتكرة.

لا يمكن للعالم الإسلامي أن يخرج من حالة الانحدار التي يعيشها إلا بهذه الطريقة.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة